بقلم: مصطفي بكري
ما جري في الخرطوم كاد يتحول إلي كارثة لولا هزيمة المنتخب المصري.. فهل انتقاد ذلك يعني خروجا علي القومية؟!
رفضنا سلوك إعلام الفتنة.. وطالبنا بمحاسبة كل المتواطئين هنا أو هناك
الشروق' دست عليّ كلاما يقول 'إنني اتهمت الرئيس البشير بالتواطؤ مع الرئيس الجزائري'
وجريدة 'الخبر ' ادعت أنني هاجمت البربر وهذا غير صحيح
من قالوا إن الجزائر هي بلد 'المليون لقيط' أساءوا إلي مصر.. ومن وصفوا الشعب المصري بأنه 'شعب من العبيد' أساءوا إلي الجزائ
أخي العزيز الكاتب العروبي الجزائري محمد زيدان.. قرأت مقالك المهم علي موقع 'البصرة نت' والذي حمل عنوان 'حتي انت يا أخي العروبي مصطفي بكري' وهو أن المقال الذي حوي عتاباً مريراً أتفهمه، وانتقاداً لاذعاً أدرك أنه ينطلق من موقع الحرص والاحترام، وغيرة محمودة علي تاريخ طويل من النضال المشترك، تحت عباءة القومية العربية التي هي خيارنا الوحيد للتحرر من مشاكل الاستعمار والتخلف والتجزئة.
نعم.. كنت تتمني لي يا أخي العزيز، أن أكون كما عهدتني دوماً عريباً قحاً، أترفع عن سفاسف الأمور، لأن القومية العربية فوق الحدود، كما أن الإساءة لمصر والجزائر، هي إساءة للجميع!!
وصدقني يا أخي.. لم أكن في يوم ما إقليمياً أو قطرياً، أدافع عن مصالح آنية ضيقة، تتعارض مع تطلعاتنا القومية والعروبية بل كان هدفي دائماً ومنذ نعومة أظافري هو الانخراط في الدفاع عن هذا الحلم الوحدوي الكبير الذي ظل الزعيم الراحل جمال عبدالناصر يناضل من أجل تحقيقه حتي يومه الأخير.
وقد خضت في سبيل ذلك يا أخي معارك عديدة، وسجنت مرات متعددة، وتطاول عليّ أصحاب البضاعة الفاسدة من الكتبة 'المارينز' الذين سعوا بكل ما يملكون إلي ضرب الأيديولوجية القومية وتعمدوا الإساءة إليها والتطاول علي رموزها من خلال منابر إعلامية حكومية وخاصة، فتحت أبوابها واسعة أمام هذا التيار الذي يتبني أجندة معادية للأمة ووحدتها.
من حقك يا أخي أن تعتب، طالما انتزعت الكلمات والعبارات من سياقها، الذي قيلت فيه والذي تحدثت فيه بكل مرارة عن بعض المشاهد التي رأيتها بأم العين، وحملات الشتائم التي سمعتها وجهاً لوجه من جمهور جزائري غاضب، راح يمارس أشد أنواع الحرب النفسية والإساءات المتعمدة ضد أشقائه المصريين.
وإذا كان الأمر قد تطور بعد ذلك، إلي أعمال عنف وبلطجة مرفوضة، وعندما أقول مرفوضة، فالأمر هنا لا يقتصر علي ممارسات الجزائريين بل علي أي ممارسات جرت من أفراد مصريين في القاهرة، غير أن الصراحة تقتضي القول إن ما جري في استاد المريخ بالسودان كان أكبر من أن يحتمل، وربما لولا هزيمة المنتخب المصري لتحول الأمر إلي كارثة، فهكذا كانت جميع المؤشرات، تنبئ بمأساة حقيقية كانت ستكون لها آثارها التي لن تنسي بين أبناء الشعب العربي الواحد في مصر والجزائر.
كانت كلماتي قبل المباراة، تحذر من الخطر الداهم الذي يساق إليه الجميع وساعتها طالبت بإقامة المباراة بدون جمهور، أو إلغائها من الأساس أسوة بما فعله العقيد معمر القذافي في وقت سابق، ذلك أن علاقات ومصالح أبناء البلدين أكبر بكثير من مباراة لكرة القدم، المنتصر فيها عربي، والمهزوم فيها عربي أيضاً!!
لقد كان موقفي يا أخي العروبي منذ البداية هو الرفض القاطع، بل والإدانة لسلوك إعلام الفتنة في كلا البلدين، بل عندما تناولت بعض هؤلاء الذين قادوا الحملة في مصر، خرج أحدهم ليتطاول عليّ أكثر من مرة في القنوات الفضائية، ساخراً مني ومن دعوتي لتحكيم العقل ووأد الفتنة في مهدها.
إنني لا أريد أن أنكأ جراحاً لا تزال ساخنة، واحكي روايات، ومشاهد رأيتها داخل الاستاد الرياضي وخارجه، لكن يكفي أن أقول لك إن بعض ما نشر علي لساني لم يكن صحيحاً من الأساس.
أتراك ماذا تقول يا أخي العزيز عندما تخرج صحيفة الشروق الجزائرية لتحمل عنواناً يقول 'مصطفي بكري: بوتفليقة والبشير متواطئان والجزائريون بلطجية' وعندما تقرأ مضمون الخبر، فإنك لا تجد أي كلمة أو عبارة واحدة منسوبة إليّ تعكس العنوان القائل إنني قلت 'إن البشير وبوتفليقة متواطئان' والأدهي لا يمكن أن اتهم شعباً عربياً بالبلطجة، بل كان الاتهام إلي من قاموا بهذا الفعل داخل الاستاد الرياضي بالخرطوم وخارجه.
لقد بذل يا أخي أهلنا في السودان كل ما يمكن من جهد، وكان هناك قصور لم يكن متعمداً، بل هذه هي طبيعة أهل السودان، الثقة والأمان في التعامل مع الآخر، لكن ذلك لم يكن أبداً يعني أي إساءة لأهلنا الذين ندرك أنهم تحملوا الكثير، وكانوا في موقف لا يحسدون عليه، فمصر بلد عربي شقيق، والجزائر أيضاً بلد عربي شقيق لهم.
وقد راجعت جميع التسجيلات والتصريحات التي أليت بها باحثاً عن مضمون هذا العنوان، فلم أجده، ولم أدل به غير أن هذا العنوان جري توظيفه بقصد الإساءة إلي شخصي ومواقفي وأيضاً إلي أهلي في السودان الذين جمعني بهم دائماً الهم الواحد والانتماء المشترك والتقدير لدور القيادة والشعب في الدفاع عن قضايا الأمة، بل تربطني دوماً بالرئيس عمر البشير علاقة خاصة منذ اندلاع ثورة الإنقاذ في عام 1989 فكيف أتطاول واتهمه بأنه يقود مؤامرة مشتركة ضد المصريين.
انظر مثلاِ إلي ما نشرته صحيفة 'الخبر' الجزائرية التي قالت إنني قلت إن الجزائريين الذين مارسوا هذه الأفعال 'ليسوا سوي مجموعة من البربر'، بما يحوي وكأنني أوجه إهانة إلي أهلنا الذين ينتمون إلي أصول 'بربرية'، والحقيقة أن الأمر لا صحة له من الأساس، بل لو راجع كاتب التحليل ما قلته عن البربر في قناة دريم الفضائية، لأدرك حقيقة موقفي.
إن المرة الوحيدة التي جئت فيها علي ذكر البربر يا أخي هي ما قلته علي شاشة دريم، وكنت أرد فيها علي هجوم أحد المعلقين الرياضيين علي البربر وعلي شهداء الجزائر بعد أن اتهمها بأنها بلد 'المليون لقيط' ساعتها قلت إن هؤلاء لا يعرفون من هم البربر وما هو تاريخهم، فالبربر هو جنود موسي بن نصير وطارق بن زياد الذين فتحوا الأندلس واستقبلوا العائدين منها.
إنني أعرف يا أخي تاريخ 'البربر' في الجزائر والمغرب العربي وقرأت الكثير عن هذا التاريخ، ويكفي القول إن 'الرومان' هم أول من أطلق كلمة 'البربر' علي كل من لا يدين بحضارتهم في شمال إفريقيا، والذين رفضوا بإباء وشجاعة الانضواء تحت لواء الحضارة الرومانية.
ولقد ظل هذا الاسم شائعاً حتي عصر الفتوحات الإسلامية واستخدمه المسلمون ليس بالمعني الروماني، ولكن باعتباره يخلد صمود 'البربر' أمام غزو الحضارات القديمة الطاغية ورمزاً لاعتزاز البربر بشخصيتهم وثقافتهم ومقومات حياتهم.
ويكفي القول هنا يا أخي عندما راح سليمان بن عبدالملك يسأل موسي بن نصير غداة توليه العرش خلفاً للوليد بن عبدالملك عن رأيه في البربر، قال موسي بن نصير 'هم يا أمير المؤمنين لقاء نجدة وصبر وفروسية وسماحة وبادية'.. هذا عن وقائع التاريخ يا أخي، وهذا بعض مما قلته وأكتبه الآن، فبماذا تسمي ما نشر منسوباً إليَّ، دون أن يكون هناك دليل واحد يعززه، بل العكس هو الصحيح ألا يعد ذلك تحريضاً وادعاءات كاذبة من صحيفة يفترض أن تلتزم بالمصداقية والوضوح؟
أما عن مقولة 'المليون لقيط' فقد خرجت في أكثر من فضائية لأقول هذه إهانة لشهدائنا، شهداء الجزائر وشهداء الأمة، وهو سلوك مدان، ولغة لا يمكن القبول بها، وقد وجهت انتقادات حادة لمن ردد هذه العبارة التي أساءت لصاحبها ولنا جميعاً قبل أن تسيء لأبناء شعبنا العربي في الجزائر.
إننا يا أخي هنا في مصر، نعتز ببلد المليون ونصف المليون شهيد، ولا نعتبر أن ما قدمه عبدالناصر من سند لثورة الجزائر هو منة من أحد، بل هو تأكيد علي دور مصر القيادي والعروبي في دعمها لحركات التحرر، ولقد قلت في أكثر من فضائية: إذا كنا قد ساندنا ثورة الجزائر انطلاقاً من مسئوليتنا القومية، فالجزائر أيضاً دفعت بأكثر من ثلاثة آلاف من الضباط والجنود وأكثر من ستين طائرة ونحو مائة دبابة ومعدات عسكرية عديدة لتخوض معنا جنبا إلي جنب معركة التحرير في أكتوبر 1973، ولتختلط الدماء الجزائرية بالدماء المصرية دفاعاً عن أرض العرب وكرامة الأمة
وقلت إننا لن ننسي أبداً ما فعله المجاهد المناضل الرئيس هواري بومدين عندما جاء في أعقاب نكسة 1967، ليضع كل إمكانات الجزائر تحت إمرة القائد العروبي الخالد جمال عبدالناصر، وليسافر بنفسه إلي موسكو مقدماً أكثر من 800 مليون دولار من خزينة الجزائر لإنهاء صفقة الأسلحة التي كان يتلكأ السوفيت في إرسالها قبل حصولهم علي المال اللازم لذلك.
وإذا كنت من أوائل من خرجوا لإدانة سلوك بعض المعلقين والإعلاميين في الفضائيات المصرية وتطاولهم علي الجزائر والعروبة، فقد كنت أتمني في نفس الوقت أن أسمع صوت أشقائنا القوميين يدينون سلوك بعض إعلاميي الجزائر الذين راحوا يسبون مصر بأقذع الألفاظ ويتهمون شعبها العظيم والمعطاء بأنه ليس سوي شعب من 'العبيد والجبناء'!!
لقد أخذتني الغيرة يا أخي علي مصر، وطني وأهلي، كما أخذتني الغيرة علي أشقائي في الجزائر ورفضت التطاول عليهم أو الإساءة إلي تاريخهم، فهلا اسمعتني يا أخي صوتاً من الجزائر خرج ليدين هذا السلوك أو ليكتب كلمة في حق هذا البلد الذي لا يتواني لحظة في الدفاع عن قضايا الأمة والذود عنها.
لقد عايرونا يا أخي باتفاقات كامب ديفيد وأسموا بلدنا 'مصرائيل' وخلطوا هنا بين موقف الحكومات والشعوب، وأنت تعرف أن شعبنا العظيم رفض التطبيع مع العدو الصهيوني، وحاصر السفراء الصهاينة في سفارتهم 'اللقيطة' وهو لا يتواني في كل لحظة عن الخروج في تظاهرات تطالب بطرد السفير الصهيوني وإغلاق سفارته، وتدين كل من يتصل أو يطبع مع هذا العدو، الذي نثق أنه كان الأكثر سعادة بهذه الحرب غير المبررة بين أبناء الشعب العربي في مصر والجزائر.
تطالبني يا أخي بأن نتذكر أننا شعب واحد، حتي ولو فرضت علينا الحدود فرضاً، ومن قال لك إنني أنكر هذه الحقيقة التي هي أساس وجوهر أيديولوجيتنا القومية، غير أنني يا أخي أقول إذا أردنا علاقة سوية بين أبناء الشعب العربي الواحد في كل الأقطار العربية، فعلينا أيضاً أن نعطي لشعب مصر حقه، كما يعطي شعب مصر حقوق أشقائه الآخرين.
إن هناك من يسعون إلي بث النعرات القطرية والعرقية والدعوة للكفر بالعروبة وبالقومية، وأظنك تتفق معي أن بعض الممارسات والإساءات التي تجري ضد المصريين من هذا الطرف العربي أو ذاك، يعطي هؤلاء حجة قوية في مواجهة القوميين الذين يتصدون لهذه التيارات الشوفينية والانعزالية والتي قطعاً لا تصب في توجهاتها في مصلحة مصر أو مصلحة الأمة.
لقد قلت في مقالك 'إننا نعرف أن في وطننا العربي وفي أي نقطة منه بعض المتآمرين الذين ينتهزون الفرص للنيل من العروبة والإسلام، وأن في المغرب العربي بعض الشوفينيين الفرانكوفيليين المتطرفين الأذكياء جداً والمدعومين من جهات أجنبية يستغلون جعجعة الفضائيات القطرية الشوفينية المتطرفة الحمقاء لضرب العروبة والإسلام في الوطن العربي'، وأنا شخصياً اتفق معك في هذا القول، وهذا هو ما يدعوني إلي طلب سماع صوت العقل ينادي الإعلام الجزائري بالتوقف عن إهانة مصر والمصريين، خاصة أنه لايزال مستمراً في طريقه رغم التزام الإعلام المصري بالتهدئة!!
لقد سعدت يا أخي وسعد الكثيرون بالتصريحات التي أدلي بها وزير الخارجية الجزائري 'مراد مدلس' لصحيفة الشرق الأوسط والتي قال فيها 'إن بلاده تتمني كل الخير لمصر وترغب في طي الصفحة، وأن بلاده لا تتعامل علي الإطلاق مع ما يقال هنا أو هناك، وعلي ألسنة مختلفة، لأن الجزائر تكن كل تقدير واحترام لمصر وشعبها وحكومتها'.
هذا كلام جيد ويستحق التقدير، ولكن ألست معي يا أخي العزيز أن القضية أكبر من تصريحات تطييب الخواطر من هنا أو هناك، وأننا نحتاج إلي 'مجلس عرب' لمحاسبة المخطئ أياً كان، وإعطاء كل ذي حق حقه، حتي لا تتكرر هذه المهزلة مرة أخري؟
لقد طرحت في العدد الماضي من صحيفة 'الأسبوع'، وتحديداً بعد أحداث الخرطوم بيوم واحد مقالاً بعنوان 'لماذا يكرهوننا؟!'، أحدث ردود فعل كبيرة، وراحت بعض الفضائيات تتناوله بعيداً عن المضمون الذي قصدت، واسمح لي أن أعيد نشر ما كتبته رداً علي السؤال الذي طرحته في نفس المقال.. لقد قلت يا أخي 'إن الإجابة واضحة، حكومتنا هي التي تتحمل المسئولية، نعم لقد نسينا الأمة، ونسينا دور مصر، تجاهلنا الواقع، ومضينا نجري وراء السراب، وراء الحلم الأمريكي في المنطقة، تصالحنا مع الأعداء، وفتحنا لهم سفارة علي أرض مصر، لم نعد الدولة القائد، وأصبح اهتمامنا بما يجري في عالمنا العربي ربما أقل من اهتمام دول أوربا به، تركنا القيادة لدول صغيرة، فتراجع دورنا، وأصبح الكل يستهين بنا'!!
يا أخي نحن ندرك الحقائق جيداً، ونعرف الأسباب التي دفعت أمتنا إلي حالة الوهن والضعف، حتي أضحت أهدافنا محصورة في الفوز بمباراة لكرة القدم، ولأجلها تعلن الحروب، بينما العدو يتربص بنا، والقدس يجري تهويدها، والمستوطنات تزحف إلي ما تبقي والأقصي مهدد بالانهيار، والعراق يعاني مرارة الاحتلال، والسودان يتعرض لمؤامرة التفتيت، ورئيسه مهدد بالمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية الظالمة.. فأين نحن من كل ذلك؟!
إن ما يثير السخرية هو أن يطالب العدو الصهيوني كلاً من مصر والجزائر بضبط النفس، بينما يدرك الجميع أن الكيان الصهيوني لم يكن بعيداً عن هذا التصعيد الخطير في علاقات بلدين عروبيين يربطهما مصير واحد، وتاريخ من النضال الطويل دفاعاً عن تراب الأمة ومجدها.
إنني يا أخي العروبي أبعد بكثير من الانجراف نحو الإقليمية، لكن عليك أن تتفق معي أن إدانة بعض التصرفات غير المقبولة لا تعني اتهاما لشعب، ولا كفراً بعروبة، بل هي سعي دءوب لمحاسبة المخطئ الذي نشر معلومات كاذبة عن وجود قتلي من الجزائريين في مصر، فيتم نشرها علي أوسع نطاق لتوغر صدور الأشقاء، ثم يجري التكذيب علي استحياء.
إنني أسأل هؤلاء الذين جاءوا بصور القتلي والنعوش، من أين جاءوا بها؟ وأين هي هذه الجثامين التي قدموها إلينا ملفوفة بعلم الجزائر؟ ألا يستحق هذا الفعل الذي تسبب في حالة الاحتقان الشديدة محاسبة؟ وهل نستطيع أن ننكر وجود دور لسفير الجزائر في القاهرة في هذا الذي جري؟!
لا يا أخي العزيز، إن دفاعي عن الحق المصري، هو دفاع عن الحق الجزائري، وعن الحق العربي، فالذين يعكرون صفو العلاقات بين البلدين يجب أن يحاسبوا، ويجب ألا يمر الأمر مرور الكرام، تحت أي ادعاء، وإلا تكرر هذا السيناريو مرات ومرات.
إن إزالة الاحتقان الذي يشعر به الأشقاء المصريون، والجزائريون تستوجب فتح الملف، تحت رعاية الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي، لنعرف كيف بدأت الأزمة وكيف سننهيها؟ من المخطئ ومن الذي تعمد الإثارة والكذب والتزوير؟!
وثق يا أخي العزيز أن العروبة في دم كل مصري، كما هي تسري في دم كل جزائري وكل مغربي وكل سوداني وكل خليجي وكل شامي وكل يمني.. وإننا قادرون بالصراحة والوضوح علي تجاوز الأزمات العربية العربية كمدخل طبيعي نحو الوحدة المنشودة.
بقي أن أقول لك يا أخي إن كرامة مصر هي من كرامة العرب، وأن كرامة الجزائر هي أيضاً من كرامة العرب، ولذلك يبقي باب الحساب والعتاب مفتوحاً، سواء كانت الإدانة لهذا الطرف أو ذاك، فالأمر لن يغضبنا، ولكن الغضب يبقي كامناً في النفوس طالما انتهي الأمر بلا حساب للطرف المخطئ أمام الجميع.
بقي القول في النهاية ثق يا أخي أن العروبة والقومية ليست ثوباً نرتديه وقتما نشاء ونخلعه وقتما نريد.. العروبة بالنسبة لنا هي مصير حتمي وليست اختياراً وقتياً!
ما جري في الخرطوم كاد يتحول إلي كارثة لولا هزيمة المنتخب المصري.. فهل انتقاد ذلك يعني خروجا علي القومية؟!
رفضنا سلوك إعلام الفتنة.. وطالبنا بمحاسبة كل المتواطئين هنا أو هناك
الشروق' دست عليّ كلاما يقول 'إنني اتهمت الرئيس البشير بالتواطؤ مع الرئيس الجزائري'
وجريدة 'الخبر ' ادعت أنني هاجمت البربر وهذا غير صحيح
من قالوا إن الجزائر هي بلد 'المليون لقيط' أساءوا إلي مصر.. ومن وصفوا الشعب المصري بأنه 'شعب من العبيد' أساءوا إلي الجزائ
أخي العزيز الكاتب العروبي الجزائري محمد زيدان.. قرأت مقالك المهم علي موقع 'البصرة نت' والذي حمل عنوان 'حتي انت يا أخي العروبي مصطفي بكري' وهو أن المقال الذي حوي عتاباً مريراً أتفهمه، وانتقاداً لاذعاً أدرك أنه ينطلق من موقع الحرص والاحترام، وغيرة محمودة علي تاريخ طويل من النضال المشترك، تحت عباءة القومية العربية التي هي خيارنا الوحيد للتحرر من مشاكل الاستعمار والتخلف والتجزئة.
نعم.. كنت تتمني لي يا أخي العزيز، أن أكون كما عهدتني دوماً عريباً قحاً، أترفع عن سفاسف الأمور، لأن القومية العربية فوق الحدود، كما أن الإساءة لمصر والجزائر، هي إساءة للجميع!!
وصدقني يا أخي.. لم أكن في يوم ما إقليمياً أو قطرياً، أدافع عن مصالح آنية ضيقة، تتعارض مع تطلعاتنا القومية والعروبية بل كان هدفي دائماً ومنذ نعومة أظافري هو الانخراط في الدفاع عن هذا الحلم الوحدوي الكبير الذي ظل الزعيم الراحل جمال عبدالناصر يناضل من أجل تحقيقه حتي يومه الأخير.
وقد خضت في سبيل ذلك يا أخي معارك عديدة، وسجنت مرات متعددة، وتطاول عليّ أصحاب البضاعة الفاسدة من الكتبة 'المارينز' الذين سعوا بكل ما يملكون إلي ضرب الأيديولوجية القومية وتعمدوا الإساءة إليها والتطاول علي رموزها من خلال منابر إعلامية حكومية وخاصة، فتحت أبوابها واسعة أمام هذا التيار الذي يتبني أجندة معادية للأمة ووحدتها.
من حقك يا أخي أن تعتب، طالما انتزعت الكلمات والعبارات من سياقها، الذي قيلت فيه والذي تحدثت فيه بكل مرارة عن بعض المشاهد التي رأيتها بأم العين، وحملات الشتائم التي سمعتها وجهاً لوجه من جمهور جزائري غاضب، راح يمارس أشد أنواع الحرب النفسية والإساءات المتعمدة ضد أشقائه المصريين.
وإذا كان الأمر قد تطور بعد ذلك، إلي أعمال عنف وبلطجة مرفوضة، وعندما أقول مرفوضة، فالأمر هنا لا يقتصر علي ممارسات الجزائريين بل علي أي ممارسات جرت من أفراد مصريين في القاهرة، غير أن الصراحة تقتضي القول إن ما جري في استاد المريخ بالسودان كان أكبر من أن يحتمل، وربما لولا هزيمة المنتخب المصري لتحول الأمر إلي كارثة، فهكذا كانت جميع المؤشرات، تنبئ بمأساة حقيقية كانت ستكون لها آثارها التي لن تنسي بين أبناء الشعب العربي الواحد في مصر والجزائر.
كانت كلماتي قبل المباراة، تحذر من الخطر الداهم الذي يساق إليه الجميع وساعتها طالبت بإقامة المباراة بدون جمهور، أو إلغائها من الأساس أسوة بما فعله العقيد معمر القذافي في وقت سابق، ذلك أن علاقات ومصالح أبناء البلدين أكبر بكثير من مباراة لكرة القدم، المنتصر فيها عربي، والمهزوم فيها عربي أيضاً!!
لقد كان موقفي يا أخي العروبي منذ البداية هو الرفض القاطع، بل والإدانة لسلوك إعلام الفتنة في كلا البلدين، بل عندما تناولت بعض هؤلاء الذين قادوا الحملة في مصر، خرج أحدهم ليتطاول عليّ أكثر من مرة في القنوات الفضائية، ساخراً مني ومن دعوتي لتحكيم العقل ووأد الفتنة في مهدها.
إنني لا أريد أن أنكأ جراحاً لا تزال ساخنة، واحكي روايات، ومشاهد رأيتها داخل الاستاد الرياضي وخارجه، لكن يكفي أن أقول لك إن بعض ما نشر علي لساني لم يكن صحيحاً من الأساس.
أتراك ماذا تقول يا أخي العزيز عندما تخرج صحيفة الشروق الجزائرية لتحمل عنواناً يقول 'مصطفي بكري: بوتفليقة والبشير متواطئان والجزائريون بلطجية' وعندما تقرأ مضمون الخبر، فإنك لا تجد أي كلمة أو عبارة واحدة منسوبة إليّ تعكس العنوان القائل إنني قلت 'إن البشير وبوتفليقة متواطئان' والأدهي لا يمكن أن اتهم شعباً عربياً بالبلطجة، بل كان الاتهام إلي من قاموا بهذا الفعل داخل الاستاد الرياضي بالخرطوم وخارجه.
لقد بذل يا أخي أهلنا في السودان كل ما يمكن من جهد، وكان هناك قصور لم يكن متعمداً، بل هذه هي طبيعة أهل السودان، الثقة والأمان في التعامل مع الآخر، لكن ذلك لم يكن أبداً يعني أي إساءة لأهلنا الذين ندرك أنهم تحملوا الكثير، وكانوا في موقف لا يحسدون عليه، فمصر بلد عربي شقيق، والجزائر أيضاً بلد عربي شقيق لهم.
وقد راجعت جميع التسجيلات والتصريحات التي أليت بها باحثاً عن مضمون هذا العنوان، فلم أجده، ولم أدل به غير أن هذا العنوان جري توظيفه بقصد الإساءة إلي شخصي ومواقفي وأيضاً إلي أهلي في السودان الذين جمعني بهم دائماً الهم الواحد والانتماء المشترك والتقدير لدور القيادة والشعب في الدفاع عن قضايا الأمة، بل تربطني دوماً بالرئيس عمر البشير علاقة خاصة منذ اندلاع ثورة الإنقاذ في عام 1989 فكيف أتطاول واتهمه بأنه يقود مؤامرة مشتركة ضد المصريين.
انظر مثلاِ إلي ما نشرته صحيفة 'الخبر' الجزائرية التي قالت إنني قلت إن الجزائريين الذين مارسوا هذه الأفعال 'ليسوا سوي مجموعة من البربر'، بما يحوي وكأنني أوجه إهانة إلي أهلنا الذين ينتمون إلي أصول 'بربرية'، والحقيقة أن الأمر لا صحة له من الأساس، بل لو راجع كاتب التحليل ما قلته عن البربر في قناة دريم الفضائية، لأدرك حقيقة موقفي.
إن المرة الوحيدة التي جئت فيها علي ذكر البربر يا أخي هي ما قلته علي شاشة دريم، وكنت أرد فيها علي هجوم أحد المعلقين الرياضيين علي البربر وعلي شهداء الجزائر بعد أن اتهمها بأنها بلد 'المليون لقيط' ساعتها قلت إن هؤلاء لا يعرفون من هم البربر وما هو تاريخهم، فالبربر هو جنود موسي بن نصير وطارق بن زياد الذين فتحوا الأندلس واستقبلوا العائدين منها.
إنني أعرف يا أخي تاريخ 'البربر' في الجزائر والمغرب العربي وقرأت الكثير عن هذا التاريخ، ويكفي القول إن 'الرومان' هم أول من أطلق كلمة 'البربر' علي كل من لا يدين بحضارتهم في شمال إفريقيا، والذين رفضوا بإباء وشجاعة الانضواء تحت لواء الحضارة الرومانية.
ولقد ظل هذا الاسم شائعاً حتي عصر الفتوحات الإسلامية واستخدمه المسلمون ليس بالمعني الروماني، ولكن باعتباره يخلد صمود 'البربر' أمام غزو الحضارات القديمة الطاغية ورمزاً لاعتزاز البربر بشخصيتهم وثقافتهم ومقومات حياتهم.
ويكفي القول هنا يا أخي عندما راح سليمان بن عبدالملك يسأل موسي بن نصير غداة توليه العرش خلفاً للوليد بن عبدالملك عن رأيه في البربر، قال موسي بن نصير 'هم يا أمير المؤمنين لقاء نجدة وصبر وفروسية وسماحة وبادية'.. هذا عن وقائع التاريخ يا أخي، وهذا بعض مما قلته وأكتبه الآن، فبماذا تسمي ما نشر منسوباً إليَّ، دون أن يكون هناك دليل واحد يعززه، بل العكس هو الصحيح ألا يعد ذلك تحريضاً وادعاءات كاذبة من صحيفة يفترض أن تلتزم بالمصداقية والوضوح؟
أما عن مقولة 'المليون لقيط' فقد خرجت في أكثر من فضائية لأقول هذه إهانة لشهدائنا، شهداء الجزائر وشهداء الأمة، وهو سلوك مدان، ولغة لا يمكن القبول بها، وقد وجهت انتقادات حادة لمن ردد هذه العبارة التي أساءت لصاحبها ولنا جميعاً قبل أن تسيء لأبناء شعبنا العربي في الجزائر.
إننا يا أخي هنا في مصر، نعتز ببلد المليون ونصف المليون شهيد، ولا نعتبر أن ما قدمه عبدالناصر من سند لثورة الجزائر هو منة من أحد، بل هو تأكيد علي دور مصر القيادي والعروبي في دعمها لحركات التحرر، ولقد قلت في أكثر من فضائية: إذا كنا قد ساندنا ثورة الجزائر انطلاقاً من مسئوليتنا القومية، فالجزائر أيضاً دفعت بأكثر من ثلاثة آلاف من الضباط والجنود وأكثر من ستين طائرة ونحو مائة دبابة ومعدات عسكرية عديدة لتخوض معنا جنبا إلي جنب معركة التحرير في أكتوبر 1973، ولتختلط الدماء الجزائرية بالدماء المصرية دفاعاً عن أرض العرب وكرامة الأمة
وقلت إننا لن ننسي أبداً ما فعله المجاهد المناضل الرئيس هواري بومدين عندما جاء في أعقاب نكسة 1967، ليضع كل إمكانات الجزائر تحت إمرة القائد العروبي الخالد جمال عبدالناصر، وليسافر بنفسه إلي موسكو مقدماً أكثر من 800 مليون دولار من خزينة الجزائر لإنهاء صفقة الأسلحة التي كان يتلكأ السوفيت في إرسالها قبل حصولهم علي المال اللازم لذلك.
وإذا كنت من أوائل من خرجوا لإدانة سلوك بعض المعلقين والإعلاميين في الفضائيات المصرية وتطاولهم علي الجزائر والعروبة، فقد كنت أتمني في نفس الوقت أن أسمع صوت أشقائنا القوميين يدينون سلوك بعض إعلاميي الجزائر الذين راحوا يسبون مصر بأقذع الألفاظ ويتهمون شعبها العظيم والمعطاء بأنه ليس سوي شعب من 'العبيد والجبناء'!!
لقد أخذتني الغيرة يا أخي علي مصر، وطني وأهلي، كما أخذتني الغيرة علي أشقائي في الجزائر ورفضت التطاول عليهم أو الإساءة إلي تاريخهم، فهلا اسمعتني يا أخي صوتاً من الجزائر خرج ليدين هذا السلوك أو ليكتب كلمة في حق هذا البلد الذي لا يتواني لحظة في الدفاع عن قضايا الأمة والذود عنها.
لقد عايرونا يا أخي باتفاقات كامب ديفيد وأسموا بلدنا 'مصرائيل' وخلطوا هنا بين موقف الحكومات والشعوب، وأنت تعرف أن شعبنا العظيم رفض التطبيع مع العدو الصهيوني، وحاصر السفراء الصهاينة في سفارتهم 'اللقيطة' وهو لا يتواني في كل لحظة عن الخروج في تظاهرات تطالب بطرد السفير الصهيوني وإغلاق سفارته، وتدين كل من يتصل أو يطبع مع هذا العدو، الذي نثق أنه كان الأكثر سعادة بهذه الحرب غير المبررة بين أبناء الشعب العربي في مصر والجزائر.
تطالبني يا أخي بأن نتذكر أننا شعب واحد، حتي ولو فرضت علينا الحدود فرضاً، ومن قال لك إنني أنكر هذه الحقيقة التي هي أساس وجوهر أيديولوجيتنا القومية، غير أنني يا أخي أقول إذا أردنا علاقة سوية بين أبناء الشعب العربي الواحد في كل الأقطار العربية، فعلينا أيضاً أن نعطي لشعب مصر حقه، كما يعطي شعب مصر حقوق أشقائه الآخرين.
إن هناك من يسعون إلي بث النعرات القطرية والعرقية والدعوة للكفر بالعروبة وبالقومية، وأظنك تتفق معي أن بعض الممارسات والإساءات التي تجري ضد المصريين من هذا الطرف العربي أو ذاك، يعطي هؤلاء حجة قوية في مواجهة القوميين الذين يتصدون لهذه التيارات الشوفينية والانعزالية والتي قطعاً لا تصب في توجهاتها في مصلحة مصر أو مصلحة الأمة.
لقد قلت في مقالك 'إننا نعرف أن في وطننا العربي وفي أي نقطة منه بعض المتآمرين الذين ينتهزون الفرص للنيل من العروبة والإسلام، وأن في المغرب العربي بعض الشوفينيين الفرانكوفيليين المتطرفين الأذكياء جداً والمدعومين من جهات أجنبية يستغلون جعجعة الفضائيات القطرية الشوفينية المتطرفة الحمقاء لضرب العروبة والإسلام في الوطن العربي'، وأنا شخصياً اتفق معك في هذا القول، وهذا هو ما يدعوني إلي طلب سماع صوت العقل ينادي الإعلام الجزائري بالتوقف عن إهانة مصر والمصريين، خاصة أنه لايزال مستمراً في طريقه رغم التزام الإعلام المصري بالتهدئة!!
لقد سعدت يا أخي وسعد الكثيرون بالتصريحات التي أدلي بها وزير الخارجية الجزائري 'مراد مدلس' لصحيفة الشرق الأوسط والتي قال فيها 'إن بلاده تتمني كل الخير لمصر وترغب في طي الصفحة، وأن بلاده لا تتعامل علي الإطلاق مع ما يقال هنا أو هناك، وعلي ألسنة مختلفة، لأن الجزائر تكن كل تقدير واحترام لمصر وشعبها وحكومتها'.
هذا كلام جيد ويستحق التقدير، ولكن ألست معي يا أخي العزيز أن القضية أكبر من تصريحات تطييب الخواطر من هنا أو هناك، وأننا نحتاج إلي 'مجلس عرب' لمحاسبة المخطئ أياً كان، وإعطاء كل ذي حق حقه، حتي لا تتكرر هذه المهزلة مرة أخري؟
لقد طرحت في العدد الماضي من صحيفة 'الأسبوع'، وتحديداً بعد أحداث الخرطوم بيوم واحد مقالاً بعنوان 'لماذا يكرهوننا؟!'، أحدث ردود فعل كبيرة، وراحت بعض الفضائيات تتناوله بعيداً عن المضمون الذي قصدت، واسمح لي أن أعيد نشر ما كتبته رداً علي السؤال الذي طرحته في نفس المقال.. لقد قلت يا أخي 'إن الإجابة واضحة، حكومتنا هي التي تتحمل المسئولية، نعم لقد نسينا الأمة، ونسينا دور مصر، تجاهلنا الواقع، ومضينا نجري وراء السراب، وراء الحلم الأمريكي في المنطقة، تصالحنا مع الأعداء، وفتحنا لهم سفارة علي أرض مصر، لم نعد الدولة القائد، وأصبح اهتمامنا بما يجري في عالمنا العربي ربما أقل من اهتمام دول أوربا به، تركنا القيادة لدول صغيرة، فتراجع دورنا، وأصبح الكل يستهين بنا'!!
يا أخي نحن ندرك الحقائق جيداً، ونعرف الأسباب التي دفعت أمتنا إلي حالة الوهن والضعف، حتي أضحت أهدافنا محصورة في الفوز بمباراة لكرة القدم، ولأجلها تعلن الحروب، بينما العدو يتربص بنا، والقدس يجري تهويدها، والمستوطنات تزحف إلي ما تبقي والأقصي مهدد بالانهيار، والعراق يعاني مرارة الاحتلال، والسودان يتعرض لمؤامرة التفتيت، ورئيسه مهدد بالمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية الظالمة.. فأين نحن من كل ذلك؟!
إن ما يثير السخرية هو أن يطالب العدو الصهيوني كلاً من مصر والجزائر بضبط النفس، بينما يدرك الجميع أن الكيان الصهيوني لم يكن بعيداً عن هذا التصعيد الخطير في علاقات بلدين عروبيين يربطهما مصير واحد، وتاريخ من النضال الطويل دفاعاً عن تراب الأمة ومجدها.
إنني يا أخي العروبي أبعد بكثير من الانجراف نحو الإقليمية، لكن عليك أن تتفق معي أن إدانة بعض التصرفات غير المقبولة لا تعني اتهاما لشعب، ولا كفراً بعروبة، بل هي سعي دءوب لمحاسبة المخطئ الذي نشر معلومات كاذبة عن وجود قتلي من الجزائريين في مصر، فيتم نشرها علي أوسع نطاق لتوغر صدور الأشقاء، ثم يجري التكذيب علي استحياء.
إنني أسأل هؤلاء الذين جاءوا بصور القتلي والنعوش، من أين جاءوا بها؟ وأين هي هذه الجثامين التي قدموها إلينا ملفوفة بعلم الجزائر؟ ألا يستحق هذا الفعل الذي تسبب في حالة الاحتقان الشديدة محاسبة؟ وهل نستطيع أن ننكر وجود دور لسفير الجزائر في القاهرة في هذا الذي جري؟!
لا يا أخي العزيز، إن دفاعي عن الحق المصري، هو دفاع عن الحق الجزائري، وعن الحق العربي، فالذين يعكرون صفو العلاقات بين البلدين يجب أن يحاسبوا، ويجب ألا يمر الأمر مرور الكرام، تحت أي ادعاء، وإلا تكرر هذا السيناريو مرات ومرات.
إن إزالة الاحتقان الذي يشعر به الأشقاء المصريون، والجزائريون تستوجب فتح الملف، تحت رعاية الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي، لنعرف كيف بدأت الأزمة وكيف سننهيها؟ من المخطئ ومن الذي تعمد الإثارة والكذب والتزوير؟!
وثق يا أخي العزيز أن العروبة في دم كل مصري، كما هي تسري في دم كل جزائري وكل مغربي وكل سوداني وكل خليجي وكل شامي وكل يمني.. وإننا قادرون بالصراحة والوضوح علي تجاوز الأزمات العربية العربية كمدخل طبيعي نحو الوحدة المنشودة.
بقي أن أقول لك يا أخي إن كرامة مصر هي من كرامة العرب، وأن كرامة الجزائر هي أيضاً من كرامة العرب، ولذلك يبقي باب الحساب والعتاب مفتوحاً، سواء كانت الإدانة لهذا الطرف أو ذاك، فالأمر لن يغضبنا، ولكن الغضب يبقي كامناً في النفوس طالما انتهي الأمر بلا حساب للطرف المخطئ أمام الجميع.
بقي القول في النهاية ثق يا أخي أن العروبة والقومية ليست ثوباً نرتديه وقتما نشاء ونخلعه وقتما نريد.. العروبة بالنسبة لنا هي مصير حتمي وليست اختياراً وقتياً!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق