بما أن الأنفلونزا وباء يحاول الجميع البُعد عنه والعلاج منه، كما يحدث الآن فى كثير من الدول بسبب أنفلونزا الطيور والخنازير، وكما حدث منذ زمن طويل فى معظم المنتجات المصرية ومعظم الحرف، مثل حرفة الترزى الذى كانت فى يوم من الأيام مهنة مربحة جدًا، ولكنها أصيبت بأنفلونزا حادة جعلتها كوباء يبتعد عنه الجميع، الكل أصبح يهتم بالملابس الجاهزة والماركات العالمية.. وأيضًا مهنة صانع الأحذية والمنجِّد وخلافه من المهن التى ذهبت مع الريح.
ورغم الاقتصاد الهابط فإن شبابنا ما شاء الله أصبح لا يقترب من تلك المهن و"البرستيج" جعله لا يتحمل المواصلات العامة وأصبح التاكسى والسيارات الخاصة هى وسيلة التنقل لكثير من عامة الشعب، وماتت صناعة المنجد فى وجود المراتب الإسفنج "السليب هاي" .
كل شيء فى مصر أصبح مثل الأنفلونزا.. مرض معدٍ.. الكل يبتعد عنه، وكل هذا يجعلنى أقف أمام نقطة مهمة جداً أن الشعب المصرى له اليد الكبرى فى كل ما يحدث من هبوط وفساد فى المجتمع لأن هذه المهن كانت تساهم فى أكبر دعم اقتصادى على مستوى المنزل والمجتمع، رجل المهنة كان يرزق ويعيش أفضل معيشة من صنعته، والزبون كان يحصل على طلبه بسعر أرخص بكثير وبشكل أفضل من الماركات العالمية وكانت الحياة مليئة بالحركة والجمال والبركة، وكان الدم يجرى فى عروق الوطن بأكمله، كان هناك أشخاص يحملون على أكتافهم مواد البناء "رمل وزلط وأسمنت وطوب وخلافه" من الدور الأرضى حتى الدور الرابع وكذلك الخامس أثناء البناء، اليوم أصبح كل شيء بالمعدات والأجهزة والريموت كنترول.. هذا التقدم أفسد كل شيء حتى الصحة.. وتسبب فى كل الأمراض، زمان كان الطفل يحلم بدراجة "عجلة" بعد النجاح فى المرحلة الإعدادية ولكن اليوم الطفل فى المرحلة الابتدائية وبدون نجاح لابد من الكمبيوتر والإنترنت والموبايل وكل طلباته أوامر وعايز الأكل من المطعم الفولانى "تيك أوي".
ولكن بالطبع الرجوع للخلف أصبح مستحيلا والكلام أصبح لا يداوى بل أصبح مجرد مشرط يفتح الجروح من أول وجديد.. وبما أن الأنفلونزا انتشرت فى كل شيء جميل ولوثته وأطاحت به وجعلت الكل فى حالة حرمان من الجمال وجعلت الدنيا بلا طعم أتمنى من الله أن يصيب الفساد بمرض الأنفلونزا لكى يبحث الفاسد عن العلاج، ويحاول السليم أن يبتعد عن الفساد بكل أنواعه الفساد الذى انتشر فى كل شيء فى الوطن والمجتمع والضمائر.. الفساد الذى نخر أعمدة الوطن، وانتشر كالسوس فى الخشب، كالنار فى التبن، والقش الفساد الذى أنجب الإهمال والطمع، وهذا الإهمال هو السبب الرئيسى فى وجود أنفلونزا الطيور والخنازير، وبالأخص أنفلونزا الخنازير، لأن الرئيس محمد حسنى مبارك منذ عام أصدر قرارًا بعزل الخنازير بعيداً عن المناطق السكنية والمدارس والإهمال جعل هذا القرار مؤجل حتى اليوم وهذا التأجيل سوف يكون هو السبب الأول والأخير فى إعدام كم كبير من الخنازير وخسائر طائلة ووقف حال كثير من العمالة التى تعمل منذ سنوات فى تربية الخنازير وتعتمد اعتمادًا كليًا وجزئيًا عليهم فى معيشتهم ودخلهم ولا يوجد لهم عمل آخر ولا دخل آخر، وهذا الإهمال أيضًا هو الذى أعطى الفرصة للكثير من المثقفين والكتَّاب وغيرهم أن يتركوا العنان لأنفسهم ويتحدثون عن الخنازير بأنها تسببت فى وجود فتنة طائفية بين المسلمين والمسيحيين رغم أن الطرفين على اقتناع تام بإعدام الخنازير حفاظاً على صحة وأرواح الجميع بعد كارثة الإهمال من قبل الحكومة فقط والآن لابد أن يكون الحل من قبل الشعب بأكمله.. لابد من الحفاظ والوقاية والحذر رغم أن المجتمع كان فى استغناء تام عن كل هذا لو تم تنفيذ قرار رئيس الجمهورية.
وبكل أسف لا يوجد عقاب للأفراد المُكلفين بتنفيذ هذا القرار والكل أصبح مشغولاً عنهم وعن مسئولياتهم فى الحل بعد حلول الكارثة كما تعودنا فى كل الأزمات، وهذا دليل قاطع على أن الحكومة تعمل بشكل عشوائى دون خطة أو نظرة مستقبلية وهذه هى الكارثة التى نعانى منها وسوف نظل نعانى منها إلى يوم قيامة هذه الحكومة التى تهدم كل جميل وكل وعود رئيس الجمهورية مثل مشروع مبارك الرائع "ابنى بيتك" الذى يحظى بإهمال كبير من قبل المسئولين وهذا يجعلنى فى النهاية أقتنع بما قاله الأستاذ أحمد المسلمانى فى برنامج الفنان/ أحمد آدم "إن الحكومة المصرية تعمل فى هطل" ويجعلنى أطلب من رجال الدين أن يدعو الله أن يبتلينا بأنفلونزا الفساد .
بقلم : وليد الوصيف .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق